مالية مصر.. مهدت الطريق نحو الانطلاق
تقرير يكتبه – رمضان أبو إسماعيل
لا يعد وصف أداء «مالية مصر» بـ «الطفرة» نوعاً من المبالغة، بل هو إقرار واقع معاش علي الأرض تثبته العديد من المؤشرات وشهادات كبريات مؤسسات التقييم الدولية. نجحت وزارة المالية خلال السنوات السبع الماضية في كل الاختبارات الصعبة، التي تعرضت لها.
بدءً من التراجع الحاد في الاحتياطي من النقد الأجنبي عام 2016، وتحرير سعر صرف الجنيه في نوفمبر 2016، وارتفاع معدلات عجز الموازنة والدين العام، وأزمة كورونا فبراير 2020، ومن بعدها أزمة سلسلة الإمداد وازمة الحرب الروسية الأوكرانية.
تسلحت وزارة المالية في سعيها وراء تحقيق رؤيتها الاستراتيجية «جهاز حكومي رائد، نموذج يُحتذى به على المستوى الإقليمي والعالمي، اقتصاد مصري رائد، يُحتذى به على الخريطة العالمية»، وفقاً لما أورده الموقع الإلكتروني للوزارة، بالعمل علي تطوير الحجر وتنمية البشر، فكانت الجهود تسير علي التوازي تطوير التشريعات الحاكمة لـ«مالية مصر».
كانت تشريعات هامة مثل قانون الجمارك، الذي أعاد الحياة إلي منظومة الاستيراد والتصدير، وقانون التأمينات الإجتماعية الذي فض الاشتباكات التاريخية بين وزارة المالية وهيئة التأمينيات، وقانون التعاقدات الحكومية، وما ترتب عليه من ضبط منظومة التعاقدات الحكومية.
لم تقف الثورة التشريعية عند هذا الحد، بل واصلت وزارة المالية مشوار تحديث التشريعات الحاكمة لمالية مصر، ومنها قانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، بما يساهم في تحفيز هذه المشروعات علي الانضمام للقطاع الرسمي، والتعديلات الجوهرية التي تم ادخالها علي التشريعات الضريبية (الضريبة علي القيمة المضافة – الضريبة علي الدخل – الضريبة علي العقارات المبنية).
كلها تستهدف اقرار المزيد من التيسيرات للممولين والعمل علي تحقيق المزيد من العدالة الضريبية وتنمية الحصيلة بما لا يؤثر سلباً علي الاستثمارات في السوق، بالإضافة إلي اصدار قانون تنظيم الدفع غير النقدي، الذي وضع مصر علي بداية طريق التحول الرقمي والشمول المالي، وكذلك اصدار قانون الخدمة المدنية، الذي يهدف إعادة التوازن للجهاز الإداري.
تزامن مع الثورة التشريعية، تنفيذ استراتيجية للنهوض بالعنصر البشري وتحسين مناخ العمل بكافة قطاعات الوزارة، فكانت أعمال تحسين مناخ العمل متزامنة مع تنفيذ البرامج التدريبية، التي عكفت الوزارة علي تنفيذها خلال السنوات الماضي، ما عزز من قدرات العنصر البشري علي ادارة منظومة التطوير والتحديث التي تشهدها وزارة المالية، خصوصاً أن التحديث تزامن مع البدء في تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادي (2016 – 2019)، الذي نجح في اعداد وتأهيل الاقتصاد الوطني للانطلاق إلي آفاقاً طموحة.
كل هذه الجهود، أفرزت، في رأي د. محمد معيط، وزير المالية، نتائج فاقت أقصي التوقعات تفاؤلاً، حيث تغير الوجه الاقتصادى لمصر خلال 7 سنوات، وذلك من خلال تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادي، الذي جعل الاقتصاد أكثر تماسكا فى مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وأكثر قدرة على تحقيق المستهدفات التنموية، والارتقاء بمستوى معيشة المواطنين.
على نحو يدفع بقوة نحو بناء «الجمهورية الجديدة»، التى ترتكز على إرساء دعائم حياة كريمة للمواطنين، وتعظيم أوجه الإنفاق على الصحة والتعليم، وتعزيز مظلة الحماية الاجتماعية، ورفع كفاءة المالية العامة للدولة، والحفاظ على المسار الاقتصادى الآمن.
وتتحقق هذه المستهدفات عبر استدامة تحسين مؤشرات الأداء المالى والاقتصادى، واستكمال مسيرة الإصلاحات الهيكلية دون أى أعباء إضافية؛ من أجل تحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتعظيم مشاركة القطاع الخاص فى عملية التنمية؛ باعتباره محركًا رئيسيًا للنمو الغنى بالوظائف، على نحو يُسهم فى تعزيز بنية الاقتصاد الكلى.
فاقت نتائج المؤشرات المالية، والكلام لـ «وزير المالية»، التوقعات وتجاوزت المستهدفات، ما دفع مدير صندوق النقد الدولى للقول بأن مصر نجم ساطع عالميا فى مجال الإصلاح الاقتصادى.
وعلي الرغم من أن جائحة كورونا أبطأت من سرعة الإنجازات لكنها لم توقفها، فالنمو الاقتصاد سجل 5.6% عام 2018 / 2019 وهو الأعلي منذ الأزمة المالية العالمية مقارنة بنحو 4.4% عام 2013 / 2014.
استطاعت مصر، بحسب تقرير «التحدي والإنجاز 2021» الصادر عن وزارة المالية، تسجيل ثانى أكبر فائض أولى فى العالم بنسبة ٢٪ من الناتج المحلى عام2018/ 2019، مقارنة بعجز أولى 3.5% عام 2013/ 2014.
وحققت فائض 1.8% خلال عام الجائحة، وارتبط مع هذا الفائض الأولي تراجع عجز الموازنة من 12% عام2013/ 2014 إلى 7.4% خلال 2020/ 2021، وانخفض معدل البطالة من 13.3% عام2014/ 2015 إلى 7.2% بنهاية 2020.
انعكس الأداء الايجابي لقطاع المالية علي تراجع معدل الدين العام من 108% عام 2016/ 2017 إلي 87.5% عام 2019/ 2020، رغم ارتفاع متوسط المديونية العالمية للدول الناشئة بنحو 17% والدول الكبرى بنحو 20% خلال «الجائحة»، وأنه علي الرغم من اتباع الحكومة سياسات توسعية الآونة الأخيرة لم تزد معدلات الدين المحلي وبقيت عند مستويات مقبولة دولياً.
تجلت قدرة مالية مصر علي نجاحها في اجتياز اختبار تحرير سعر الصرف، هذا القرار الذي عجزت حكومات متعاقبة علي الاقدام عليه، لكن الحكومة لم تجد بديلاً عن هذا التوجه، فكان القرار في نوفمبر 2016، الذي صمد السوق في مواجهته جراء الاجراءات الاحترازية التي اتخذتها وزارة المالية.
وكان من شأنها إكساب الاقتصاد مناعة ضد تبعات هذا القرار، بل زاد الاحتياطي من النقد الأجنبي ليصل إلي 40.8 مليار دولار في سبتمبر 2021 مقارنة بنحو 17.5 مليار دولار في عام 2016.