
سيدة الكرم .. في الوقت الذي اجتاحت فيه عاصفة من الغضب مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام بعد صدور حكم سريع في قضية “طفل دمنهور”، والتي لم تستغرق سوى جلسة واحدة حتى أُعلن الحكم فيها، نجد أن قضايا أخرى لا تقل خطورة مرّت في صمت قاتل، دون أن تحظى بنفس القدر من التضامن أو حتى المطالبة الجادة بالعدالة. ومن أبرز هذه القضايا، حادثة الاعتداء البشع على السيدة “سعاد ثابت”، المعروفة إعلاميًا بـ”سيدة الكرم”، والتي تم تجريدها من ملابسها أمام أهالي قريتها، في واقعة هزت الضمير الإنساني، ثم انتهت ـ بعد سنوات طويلة من التأجيل والتلاعب القانوني ـ ببراءة جميع المتهمين.
فأين كانت النخوة والغيرة والعدالة المجتمعية حينها؟ ولماذا يُنظر إلى بعض القضايا من زاوية طائفية أكثر من كونها قضية كرامة إنسانية وعدالة مطلقة؟
قضية طفل دمنهور: تضامن شعبي واسع وحكم عاجل
أثارت قضية “طفل دمنهور” جدلًا كبيرًا بعد أن أصدرت المحكمة حكمها في أولى الجلسات، الأمر الذي اعتبره البعض إشارة على سرعة العدالة، بينما رآه آخرون دليلًا على ضغط الرأي العام وقوة التفاعل الجماهيري مع الواقعة. فقد تحولت القضية في وقت قصير إلى قضية رأي عام، وتصدرت وسائل الإعلام، واشتعلت مواقع التواصل بحملات دعم ومطالبات بإطلاق سراح الطفل، ووقف تنفيذ الحكم.
سيدة الكرم: جريمة هزت القلوب.. وعدالة تأخرت حتى غابت
في المقابل، نعود إلى عام 2016، حين وقعت واحدة من أكثر القضايا الموجعة في صعيد مصر، وتحديدًا في قرية الكرم التابعة لمركز أبو قرقاص بمحافظة المنيا. ، اندلعت أعمال عنف طائفية،الا ان الاعتداء على السيدة سعاد ثابت الشهيرة بـ سيدة الكرم ، وتجريدها من ملابسها بالكامل، وسحلها في الشوارع أمام الجميع.
الواقعة، التي وُصفت يومها بأنها “اليوم الذي تعرّت فيه مصر”، لم تكن مجرد اعتداء على شخص، بل كانت تجريدًا علنيًا لكرامة المجتمع وقيم العدالة. ومع ذلك، وبعد سنوات من التأجيلات، وتنحي عدد من القضاة، وإعادة المرافعات أكثر من مرة، انتهت المحاكمة ببراءة جميع المتهمين، وسط ذهول وصدمة الكثيرين، خاصة أن الجريمة شهدها عشرات الأشخاص، وكانت حديث الإعلام المحلي والدولي.
مقارنة صادمة: أين كانت العدالة الاجتماعية والإعلامية؟
المفارقة المؤلمة أن قضية سيدة الكرم، رغم فداحتها، لم تلقَ نفس حجم التضامن الشعبي أو الإعلامي الذي حظيت به قضايا أخرى. لم تخرج مسيرات تطالب بحقها، ولم نشهد حملات إلكترونية تتحدث عن الكرامة والعدالة، كما حدث في قضايا أخرى أقل وطأة. فهل كانت الضحية أقل أهمية لأنها سيدة مسيحية؟ أم أن النخوة المجتمعية باتت تُستحضر فقط حين تتوافق مع الهوية أو الخلفية الدينية للضحية؟
أين كانت النخوة؟ سؤال يفرض نفسه
إن ما حدث مع السيدة سعاد ثابت “سيدة الكرم ” يجب أن يظل وصمة عار في جبين من سكتوا عن الجريمة، ومن تركوا الضحية وحيدة تواجه عنفًا مركبًا: جسديًا، مجتمعيًا، وقانونيًا. فالنخوة لا يمكن أن تكون انتقائية، والعدالة لا يجب أن تُوزع بناءً على الدين أو الانتماء.

العدالة الحقيقية لا تفرق بين الضحايا
في النهاية، لا بد أن ندرك أن التضامن مع الضحايا يجب أن يكون نابعًا من إنسانيتهم فقط، لا من دينهم أو خلفيتهم الاجتماعية. العدالة لا تعرف طائفة، والكرامة الإنسانية لا تُقاس بالعقيدة. قضية سيدة الكرم كانت اختبارًا حقيقيًا للمجتمع المصري، وللأسف، كانت النتيجة مؤلمة.
فهل آن الأوان لمراجعة أنفسنا؟ وهل يمكن أن نُعيد الاعتبار لمن سُلبت كرامتهم يومًا، فقط لأنهم لم يكونوا “الأكثرية” أو “الأعلى صوتًا”؟